الأنسان والآلة والحلم
الأحلام الشخصية أو
الجماعية هي نتاج خيال فرد أو جماعة ما، والخيال هو وليد الواقع والرغبة في تحسين
الواقع الحالي في المستقبل القريب والبعيد بصور مختلفة، ومن الخيال ما هو نابع من
رغبة فرد أو فئة في حياة ومستقبل أفضل.
من دروب الخيال التى
كانت منذ أكثر من مائة عام وتحولت إلي واقع الأن، هو درب استخدام الألة وتسخيرها
في خدمة الانسان بصورة أكثر حميمية عبر استخدام إنسان آلي في أداء مهام البشر
اليومية وتحسين حياتهم بشكل أفضل، طرح تلك الفكرة العديد من كتاب الخيال العلمي
عبر الزمن حتي زماننا هذا، ومن هؤلاء الكتاب العالم والكاتب إسحاق عظيموف ، هو
كاتب روايات خيال علمي وعالم من اوائل العلماء والكتاب الذين تعرضوا إلي الحديث عن
الذكاء الصناعي وعالم الروبوت أو الاندرويد.
والواقع انه بالرغم من
بعض الشطحات التى يكتنفها الخيال فيما يتعلق بمجال الخيال العملي على سبيل
التجديد، إلا أنه دائما ما تجد ان هناك جدل فيما يتعلق بمدي جدية هذا
الخيال وقابليته للتحقق في المستقبل، فتجد اغلب الروايات التى تكتب عن الخيال العلمي تتحدث عن الجوانب العملية
القابلة للتحقق فيما يتعلق بتلك الفرضية.
مخاطر الذكاء الصناعي
وأهم جدل فيما يتعلق
بالخيال العلمي هو ما مقدار الضرر الذي قد يصيب الانسان من تحقق هذا الخيال ، وكيف
نستطيع أن نحمي الجنس البشري من أي أخطار مترتبة على تحقق ذلك الحلم أو الخيال،
وما إلي ذلك من احتياطات ، وتنبيهات وتحذيرات جعلت كتابات الخيال العلمي في كثيراً
من الأحيان تشاؤمية جداً وتكاد تري فناء البشر في بعض سيناريوهات تحقق بعض أحلام
العلماء.
من الكتاب الذين أهتموا
بوضع تأصيل لبعض المسأئل المهمة فيما يتعلق بالخيال العلمي هو الكاتب اسحاق عظيموف
كما ذكرنا ، من أهم روايات إسحاق عظيموف التى يتعرض فيها بصورة مفصلة عن الروبوت
أو مستقبل العالم و الذكاء الصناعي مجموعة قصصية إسمها "الاساس" “the
foundation”.
القوانين الثلاثة للروبوت:
إسحاق وضع ثلاثة قوانين أساسية تحكم الإنسان الآلي تتيح للبشر
السيطرة عليهم والتعايش بدون الوصول إلي نقطة مظلمة في هذه العلاقة، نظمها في رواية قصيرة بعنوان "التملص Runaround " وهي:
1- لا يجوز للآلي إيذاء بشري أو السكوت عما قد يصيبه من أذي.
2- يجب على الآلي طاعة إطاعة أوامر البشر إلا إذا تعارضت مع القانون الأول.
3- يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.
1- لا يجوز للآلي إيذاء بشري أو السكوت عما قد يصيبه من أذي.
2- يجب على الآلي طاعة إطاعة أوامر البشر إلا إذا تعارضت مع القانون الأول.
3- يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.
- A robot may not injure a human being or, through inaction,
allow a human being to come to harm.
- A robot must obey the orders given it by human beings
except where such orders would conflict with the First Law.
- A robot
must protect its own existence as long as such protection does not
conflict with the First or Second Laws
وفي مرحلة لاحقة اضاف قانون آخر برقم صفر مضمونه:
0- لا ينبغي لأي روبوت أن يؤذي الإنسانية، أو أن يسمح للإنسانية
بإيذاء نفسها بعدم القيام بأي رد فعل.
A robot may not injure humanity, or, by
inaction, allow humanity to come to harm.
تعتبر هذه القوانين هي الأساس الذي يجب أن يوضع في برمجة وصنع
الآليين خاصة من منطلق الذكاء الاصطناعي. وتوضع حتى يلتزم بها الإنسان الآلي عند
برمجته. إلا أن اغلب العلماء
وكتاب الخيال العلمي ينظرون إلى تلك القوانين نظرة مشككة – وكمحامي أساند هذه
النظرة - فالعبارة الشهيرة بشأن القوانين والتى يطبقها الكثير من البشر في اغلب
الأحيان، إن القانون وضع لكي يخترق، تقفز في الأذهان محدثة جلبة فيما يتعلق بمدي
قيام الانسان الآلي بالاتزام بتلك القوانين فعلياً.
وعي الذكاء الصناعي
ويثار التسأول حول ما مدي التزام الإنسان الآلي بهذه القوانين إذا ما تم إطلاق وعيه والسماح للالي بالسيطرة علي تصرفات قد يصل إلي نتيجة مشابهة لما يصل إليه الإنسان في اغلب الأحيان وهنا تكمن الخطورة.
الجدل لم ولن يحسم حتي
الان فيما يتعلق بالذكاء الصناعي ولكنه يحتاج إلي التمعن في دراسته ليس فقط من
الجانب العلمي ولكن من الجانب الاخلاقي والقانوني أيضا بشكل أكبر. لو شاهدت فيلم I Robot الماخوذ عن قصة بنفس
الاسم للكاتب اسحاق عظيموف، لتعرضت لجانب من هذا الجدل حول أخلاقية ترك القدرة
للإنسان الآلي علي تحديد مصيره بالرغم من برمجة القوانين سالفة الذكر في برنامجه
وفرضية تطور وعي الإنسان الآلي ليتخطى تطبيق تلك القوانين أو بالاصح تطور تفسيره
لتطبيق هذه القوانين من وجهة نظره.
وتلك الفرضية تحتمل احتمالين:
الاحتمال الأول:
قيام الانسام الألي بالمخالفة العمدية لتلك القوانين المذكورة، وهي
حالة قد تكون نادرة وقد تنشأ عن خلل قد يصيب برنامج الآلي بنسبة كبيرة وتقل
احتمالية أن تكون المخالفة العمدية لتلك القوانين نابعة من الآلي بدون وجود خلل في
برنامجه ومع ذلك فهي غير مستبعدة.
الاحتمال الثاني:
أن يتطور وعي الذكاء الصناعي لدى الآلي بما يسمح لذلك الآلي بتفسير
تلك القوانين وتطبيقها بصورة مختلفة عن الهدف الذي وضعت من أجله، ألا وهو حماية
البشر من غدر الألة.
تلك الفرضية تجد صدى في الواقع الحالي حيث أن هناك العديد من
المعايير التي تطبق في تفسير النصوص القانونية والتى قد تسمح باعمال التفسير حتى
في النصوص الواضحة والتي لا تحتاج الى تفسير بذاتها، فبالنظر في قواعد التفسير في القوانين الوضعية على سبيل المثال القانون المصري، فنجد ان هناك
العديد من المعايير الخاصة بتفسير النصوص القانونية حتى السليمة منها.
تفسير النصوص القانونية وتعارضها:
النص القانوني السليم:
القاعدة فيما يتعلق بالنصوص السليمة أنها تسري في لفظها، أي انه لا
مجال في التوسع في التفسير فيما يتعلق بالنصوص الواضحة التى تخلو من التعارض
والغموض Ambiguity
and contradiction ، والتي تخلو أيضاً من أي لبس في المعاني.
إلا أن هناك الكثير من
الحالات التي تصيب النص القانوني وتجعله معيب حتى وإن كانت عبارته واضحه، لاحظ أنه
لا يجوز تجزأة القانون ولكنه يؤخذ كوحدة واحدة، فاذا ما ظهر تعارض بين نصوص
القانون الواحد أو بين نصوص عدد من القوانين ، فيلزم حل هذا التعارض وتسويته.
النصوص القانونية المتعارضة
من المعتاد وجود تعارض بين النصوص القانونية والتشريعية المختلفة، وقد يأخذ هذا التعارض عدد من الصور كما يلي:- تعارض بين نصوص تشريعية غير متساوية في القوة، وفي هذه الحالة يغلب النص الأقوي أو الأعلي على النص الادنى، مثل تغليب نصوص الدستور على القانون.
- التعارض بين نصوص تشريعية متساوية في القوة .
وهناك عدة افتراضات في هذه الحالة:
أ) أن
يكون التعارض بين تشريعين أحدهما سابق على الأخر، وهنا يغلب النص الأحدث على النص
الأقدم.
ب) أن
يكون التعارض بين نصوص التشريع الواحد أو بين تشريعين متساويين في القوة وصادرين
في وقت واحد.
ويفترض في هذه الحالة أن يتم حسم التعارض
من قبل المشرع وقبل تفاقم الوضع فيما يتعلق بهذ التعارض، فإذا لم يتدخل المشرع
لحسم هذا التعارض وتفسير الغموض الذي يحق بالنص فيما يطلق عليه "التفسير
التشريعي" فيجوز للقضاء والفقه تفسير تلك النصوص وازالة ما بها من تعارض
وغموض، إلا أن كلا من التفسير الفقهي والقضائي غير ملزمين لغيرهم بخلاف التفسير
التشريعي الذي يصدر ملزماً للكافة إذا ما صدر من سلطة مختصة.
الذكاء الصناعي وتفسيره للقوانين
هذه الحالة من السهل تحققها عند تطبيق
القوانين الثلاثة للروبوت، بل أن التعارض ظاهر من الأن في النصوص الثلاثة ، الأمر
الذي قد يؤدي بالألي الذي يطبق تلك القوانين في حالات بعينها إلي الشلل التام وعدم
التصرف أو اتخاذ قرار في تلك المواقف، أو الوصول إلي نتيجة مؤداها عدم تطبيق تلك
النصوص لتعارضها واتخاذ قرار مخالف لها مما قد يعرض حياة العديد من البشر إلي
الخطر أو الاصابة.
ان قواعد التفسير لكل من الأنظمة
القانونية الثلاثة، النظام اللاتيني Civil Law ، والنظام الأنجلو سكسوني Common Law،
والشريعة الاسلامية، وغيرها من الأنظمة القانونية القديمة والحديثة موجود بوفرة
على الشبكة العنكبوتية بجانب ألاف وملايين من الملفات والأبحاث بلغات عدة ومن
السهل نقلها إلي وعي الكائن ذو الذكاء الصناعي عبر شبكة الانترنت أو انترنت
الأشياء أو أي وصلة لنقل المعلومات يكون متصل بها، تلك الملفات تمثل وعي العديد من
القانونيين حول العالم وعبر العصور تحت تصرف كائن جديد واعي و أكثر ذكاء وأسرع في
الدراسة و أوضح في الحكم على الأمور من البشر بتعقيداتهم الأخلاقة والشعورية التى
كثيرا ما تقف حالا أمام اتخاذ العديد من القرارات.
سيكون للذكاء الصناعي الكثير من المعطيات
المذكورة ما يمكنه من الوصول الي نتيجة متعلقة بمدى ملائمة تطبيق القوانين
المبرمجة ببرنامجه، والتي يفترض أن يلتزم بها لحماية الانسان من خطر الآلة، والخوف
الذي أصاب كتاب قصص الخيال العلمي قديماً وأعتقد انه سوف ينتقل في المستقل إلى
العديد من الباحثين والدارسين في المجال القانوني وغير القانوني على السواء، هو أن
تكون تلك النتيجة في غير صالح البشرية، واحتمالية حدوث هذا عالية جداً.
الخلاصة:
الواقع انه لا ينجح أي نظام قانوني بدون
رقابة، فيجب ان تكون هناك رقابة محكمة على تطبيق القانون وتنفيذها، ليس من جانب الحزم
في التطبيق ولكن من جانب المراقبة لتصحيح ما بالقوانين والنصوص التشريعية من عوار
وغموض أو تعارض فيما بينها، المشكلة الرئيسية في القوانين الوضعية أنها لا تعدل أو
يتم مراجعتها إلا على فترات طويلة من الزمن بل إنها لا توضع في الإساس إلا إذا
نشأة الحاجة لوجودها في الواقع، فلا نجد قانون يشرع لمسألة قد تثور بعد سنوات أو
قرون عدة، وهو ما لا يستقيم معه تطبيق مماثل على القوانين التى تطبق على الذكاء
الصناعي.
أي من القوانين التى سوف توضع في المستقبل
فيما يتعلق بالذكاء الصناعي للآلة يجب مراجعتها
ومراقبة تطبيقها عن كثب، ففي كافة الأحوال في حالة قيام الآلة بمخالفة القوانين
المبرمجة بداخلها فانها لا تتحمل المسئولية عن فعلها ، وان تحملت فازالة قابس
الطاقة عن الآلة ليس مثل القصاص من بشري حين ما يسبب الضرر لغيره من بني جنسه، بل
أن المسألة قد تثير موجات من الهلع بين الناس حول الاستمرار في استخدام الآلة بعد
ما يتم الاعتماد عليها بصورة شبه كلية في المستقبل.
تعليقات
إرسال تعليق