القائمة الرئيسية

الصفحات

 

مقدمة:

قليلاً ما رأيت مستند، بحث أو كتاب، وحتى القوانين الرسمية للدول والدساتير بقدرها ومكانتها في سلم القانون، تترك بدون مراجعة من الكاتب بصفة دورية منتظمة أو غير منتظمة، أو على فترات متباعدة، قد تكون المراجعة بسبب تغيّر الظروف، أو وجهة نظر الكاتب، أو تعديلات في قوانين أو مبادئ أو نظريات علمية أو أدبية أو قانونية أو اجتماعية. 
 واللوائح الداخلية للمنشأة التي يصدرها رب العمل لا تختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً، بل ينطبق عليها ذات المبادئ الحاكمة لمثل تلك الكتابات، لذا فهي تحتاج إلى المراجعة والتعديل بصفة دورة وغير دورية طبقاً للظروف وتغيير الاتجاهات العامة والخاصة بالمنشأة فيما يتعلق بموضوع اللائحة.

تعريف اللائحة الداخلية

تعرف اللوائح الداخلية لرب العمل (شركات أو منشآت) بأنها مجموعة القواعد، الأوامر والتوجيهات المنظمة لعلاقة العمل بين رب العمل والعاملين لديه في المنشأة وبين العاملين بعضهم البعض والمتعاملين مع المنشأة، لذا فاللوائح الداخلية لها دور مهم جداً في تنظيم العمل لدي رب العمل والمنشأة، بل ان في كثير من الأحيان، غياب لائحة تنظيمية في العديد من الأمور يحدث ارتباك وتعطل داخل المنشأة في العديد من الموضوعات.
ومن أهمية اللوائح الداخلية أنها:
1- تنظم العلاقة بين رب العمل والعاملين لديه ولعلاقة العاملين بينهم البعض داخل المنشأة؛
2- تنظم ساعات العمل وكيفية سير العمل وادارته؛
3- توضح للموظفين والعامليين بالمنشأة التصرفات المسموح والغير مسموح بها داخل المنشأة؛
4- توضيح إجراءات الشكوى والتحقيق والمسألة داخل المنشأة وكيفية فرض الجزاءات والتظلم منها؛
5- توضح مهمات بعض الأقسام والمسئولين عن بعض المهمات داخل المنشأة منعاً للتخبط؛
6- وضع نظام للتعامل بين الإدارات المختلفة داخل الشركة او المنشأة منعاً للاختلاف بين الإدارات المتعددة وتوقف سير العمل.
هذا بجانب العديد من الفوائد الأخرى.

الحاجة الي تنظيم لائحة:

اللوائح الداخلية هي القانون الحاكم لعلاقة رب العمل بمن لديه من عمال وموظفين، فهي التي تحدد وتوضح وتنظم كل إجراءات التعامل داخل المنشأة بدءاً من ساعات العمل، الإجازات، كيفية الحصول عليها والإجراءات الخاصة بها، إجراءات التقييم والجودة، الترقيات، المخالفات التي قد ترتكب من العمال وكيفية التحقيق معهم ومعاقبتهم وايقاع الجزاءات المالية عليهم، فصل العمال المخالفين والمرتكبين لأخطاء جسيمة لا يستقيم معها بقائهم داخل المنشأة.
 كما تنظم أيضاً المميزات التي يحصل عليها العمال مثل توزيع نصيب العمال من الأرباح، المكافآت، البدلات، الحوافز وغيرها من المميزات الأخرى بالمنشأة.

الشروط اللازم توافرها في اللائحة 

يجب أن يتوافر في اللائحة الداخلية عدت شروط حتى يستقيم معه تطبيق اللائحة بشكل جيد داخل المنشأة بدون وجود معوقات أو عقبات في التطبيق، ومن أهم تلك الشروط:

أولاً: التوافق مع أحكام القانون وعدم مخالفته:

الواقع أن مواد القانون تنقسم إلى نوعين، مواد تنظيمية ومواد آمرة من النظام العام، فبالنسبة للمواد التنظيمية التي لا يترتب على مخالفتها بطلان في المعاملات، فإن موافقة العمال أو العاملين لدي رب العمل عند توقيع عقود العمل على الخضوع للوائح التنظيمية في هذا الشأن تعد اقراراً منهم على الالتزام بتلك الأحكام، وذلك على سبيل المثال مثل الالتزام بالمواعيد داخل المنشأة والأحكام التي يضعها رب العمل لتنظيم منشأته بما لا يخالف نصوص القانون من النظام العام.
أما فيما يتعلق بالمواد التي تعتبر من النظام العام، ومواد القانون التي تعتبر من النظام هي مواد لا يجوز الاتفاق على مخالفتها لمصلحة أي من أطراف التعامل، وفي حالة الاتفاق على عكس ذلك فإن الاتفاق يعتبر باطل وأي تصرف بالمخالفة لنصوص القانون التي تعتبر من النظام العام يكن باطل بطلاناً مطلقاً، وذلك على سبيل المثال في أي نصوص قانون يكون قد تم النص فيه صراحة على أنه لا يجوز مخالفة الأحكام الواردة بنص المادة، أو أن المخالفة تكون باطلة. 
 وقد جعل المشرع قانون العمل قواعده وأحكامه من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وفي حالة المخالفة فإن البطلان جزاء المخالفة والتصرفات القائمة عليها، فنص في المادة الخامسة من القانون التي تنص على أن:
"يقع باطلا كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقا على العمل به، إذا كان يتضمن انتقاصا من حقوق العامل المقررة فيه.
    ويستمر العمل بأية مزايا وشروط أفضل تكون مقررة أو تقرر في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة، أو بمقتضى العرف.
    وتقع باطلة كل مصالحة تتضمن انتقاصا أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون."
والنظام العام في قانون العمل ذو طبيعة خاصة، حيث انه في المعتاد ان يكون النص مغلقاً ويبطل الاجراء او التصرف الذي يخالف الحكم المحدد من النظام العام، إلا ان قانون العمل جعل النظام العام لمصلحة العامل فقط، فان كانت المخالفة الغرض منها انتقاصاً من حقوق العامل وضماناته فهنا المخالفة باطلة ولو اجازها العامل، وان كانت المخالفة للنص بهدف زيادة امتيازات وحقوق العامل فلا يكون هناك مجال للبطلان ويصح التصرف.
 ويراعي عند صياغة ومراجعة اللوائح الداخلية لرب العمل والمنشأة ألا تحتوي على أي خالفة لنصوص القانون، وان تتفق معها وتوضحها وتنظم تطبيقاً داخل المنشأة بصورة تضمن حسن التطبيق وفاعليته لا التعطيل وسلب الحقوق والانتقاص من الامتيازات والضمانات المحددة للعمال. 

 ثانياً: عدم مخالفة الأعراف المستقرة والحقوق المكتسبة للعمال:

ورد بالفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 أن:
" ويستمر العمل بأية مزايا وشروط أفضل تكون مقررة أو تقرر في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة، أو بمقتضى العرف."
والمقصود بالعرف في قانون العمل هو مجموعة القواعد القانونية التي نشأت في أوساط العمل وحرت العادة على اتباعها بطريقة منتظمة ومستمرة، وتعرف في كثيراً من الأحيان بالحقوق المكتسبة، وقد كانت اعراف العمل هي التشريع الحقيقي الحاكم لعلاقة العمل قبل ظهور التشريعات العمالية بصورتها الحالية، وتتناقص معايير العرف مع انتشار القوانين المنظمة لعلاقات العمل.
إلا انه حتى الأن للعرف دور كبير في صياغة علاقة العمل وحفظ حقوق العمال، فنجد حتى القوانين تعترف بدور العرف في حالة النقص في تلك القوانين في تنظيم مسائل معينة او محددة مرتبطة بعلاقة العمل، على سبيل المثالث ينظم القانون اللجوء للأعراف المهنية في حالة عدم تحديد الأجر بعقد العمل او لوائح المنشأة طبقاً للمادة 36 من قانون العمل.  

ثالثاً: عدم الخروج عن شروط عقود العمل الفردية والجماعية:

نصت المادة 76 من قانون العمل المصري في فقرتها الأولي على أن:
"لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج على الشروط المتفق عليها في عقد العمل الفردي أو اتفاقية العمل الجماعية، أو أن يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعا لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه أو في حالة القوة القاهرة، على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة، وله أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان لا يختلف عنه اختلافا جوهريا بشرط عدم المساس بحقوق العامل."

فالشروط والأحكام المنصوص عليها بعقود العمل، سواء الفردية أو الجماعية، تسمو في التطبيق على لوائح رب العمل أو المنشأة، وبالتالي لا يجوز لرب العمل أن يخالف ما تم الاتفاق عليه بينه وبين العامل بعقد العمل الفردي أو مع جماعة العمال في عقد العمل الجماعي أو أن يتحجج بمخالفة ما تم الاتفاق عليه بتلك العقود عما هو مذكور بلوائح ولو كانت أقدم على تاريخ تلك العقود.
 ويؤكد ذلك أيضاً الفقرتين الأولي والثانية من المادة الخامسة من قانون العمل سالفتي الذكر واللتان يستفاد منهم ذات الحكم بحظر قيام رب العمل بأي عمل يقلل من حقوق العمال المشتغلين بالشركة، سواء كانت المخالفة للقانون أو ما تم الاتفاق عليه بالعقود كما أسلفنا. 

مراجعة اللائحة

متي نحتاج إلى مراجعة اللوائح وتعديلها؟

الواقع أن هناك عدد من اللوائح لا يسري عليها أي تعديلات لمدد زمنية طويلة، فلا تنشأ حاجة لتعديل تلك اللوائح بصورة دورية أو غير دورية، ولكن هناك حالات عامة تستدعي مراجعة اللوائح الداخلية وتعديلها.  ونعرض لأهم حالات ضرورة مراجعة اللوائح الداخلية فيما يلي:

عند صدور تعديلات تشريعية تغير من أحكام القانون فيما يتعلق بموضوع اللائحة:

وهذا أمر بديهي فكما أوضحنا يفترض ألا تخالف اللائحة الداخلية القوانين بصورة عامة والقانون المطبق على موضوعها بصفة خاصة، والأمر الذي يستدعي الانتباه ليس تعديل قانون العمل نفسه، فقد يصدر قانون جديد او يتم تعديل قانون أخر يؤثر على الأحكام الخاصة باللوائح الداخلية، مثل قانون الشركات او التأمينات او غيرها من القوانين التي لها تطبيق على علاقات العمل او تختص بتنظيم علاقة او أكثر بين العامل ورب العمل او العامل والمنشأة بصفة خاصة.

عند تغير الظروف:

جائحة كورونا أصابت الكثير من النشاطات بصدمات عديدة، أهم تلك الصدمات اكتشاف العديد من المشروعات عدم وجود تنظيم حقيقي للتعامل مع مثل تلك الجائحة، بالرغم من الزامية وجود لائحة مثل لائحة الطوارئ إلا انه يظل التطبيق الفعلي كان موضوع اختبار مع بداية الجائحة.
من تلك الصدمات عدم اتاحة اللوائح الداخلة للرب العمل السماح لبعض أو كل الموظفين بالعمل من المنزل، وما يستتبع ذلك من ضرورة تعديل في اللوائح الداخلية في نقاط متعددة بالإضافة إلى النظام العام للمنشأة، مثل إجراءات اثبات الحضور والانصراف، صرف المرتبات ومقابل البدلات وغيرها من المدفوعات التي كان بعضها وإن لم يكن اغلبها يتم يدوياً، وغيرها من التصرفات والإجراءات التي كان لزاماً تعديلها لتتوافق مع الموقف.

التغيير في سياسات الشركة فيما يتعلق بموضوع اللائحة:

 التغيير في سياسات الشركة او رب العمل قد يكون بالتخفيف او التشديد في شأن ما، او حتي بتغيير طريقة التطبيق او التعامل مع موضوعات بعينها، فهناك العديد من الموضوعات التي يحق لرب العمل تنظيمها فيما ينظم داخل منشأته مما لا يعتبر تعديلاً لعرف او حق مكتسب لعامل مثل نظام التدرج والترقيات، او الأقسام والإدارات الداخلية وكيفية إدارتها وتنظيمها وعملها وعلاقتها بباقي الإدارات، وكذلك الأمر فيما يتعلق بسياسة الشركة في التعامل مع الغير من المتعاملين معها والإجراءات والضوابط التي يلتزم بها العمال والموظفين في هذا الشأن. 

التعديل لتطبيق أفضل:

الحياة تعتمد داماً على الاختبار والتطوير، وهناك من المصطلحات والأنظمة الكثيرة التي توضح هذه الفكرة وتثقلها مثل Trial and error، ويعرف هذا المصطلح في قاموس ميريام ويبستر الأمريكي بأنه:
"finding out of the best way to reach a desired result or a correct solution by trying out one or more ways or means and by noting and eliminating errors or causes of failure"
أي 
" العثور على أفضل طريق للوصول إلى النتيجة المرغوبة او الحل الصحيح، عبر تجربة طريق او أكثر أو وسائل واخذ الملاحظات والتخلص من الأخطاء أو أسباب الإخفاق."
وبالتالي، ولأن البشر قد تعودوا على التجربة للوصول لأفضل النتائج، فإن تنظيم لائحة تنظيمية ما داخل المنشأة لا يعني ضرورة بقائها كما هي بدون تغيير أو تعديل، بل يفضل ان يتم مراجعتها بصورة دورية او مرحلية والتأكد من أن التنظيم الخاص بها ملائم عند التطبيق ولا يتسبب في مشاكل او تعطيل مصالح او إخفاق في الأداء، وإن وجدت أي أسباب التعديل، فعلي رب العمل والمسئولين عن المنشأة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتعديل لمصلحة العمل واستمراريته وتطوره بصورة أفضل.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق